أروي الشاعر تكتب: في زمنٍ يظن فيه الجهلة بالتاريخ أن بإمكانهم إعادة رسم الخرائط
![أروي الشاعر تكتب: في زمنٍ يظن فيه الجهلة بالتاريخ أن بإمكانهم إعادة رسم الخرائط أروي الشاعر تكتب: في زمنٍ يظن فيه الجهلة بالتاريخ أن بإمكانهم إعادة رسم الخرائط](/wp-content/uploads/2025/02/IMG_٢٠٢٥٠٢١٣_١٢٤٠٣٧.jpg)
في زمنٍ يظن فيه الجهلة بالتاريخ أن بإمكانهم إعادة رسم الخرائط وفق أهوائهم، يقف الشعب الفلسطيني كالجبل الصامد، يُثبت للعالم مرةً تلو الأخرى أن هذه الأرض ليست مجرد بقعة جغرافية تُشترى وتُباع، بل هي هوية متجذرة، وحقٌ لا يسقط بالتقادم. ولعل آخر من أصيب بجنون العظمة وتوهم أن بمقدوره اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم هو دونالد ترامب، الذي لا يزال يحلم بأنه يتحكم بمصير الشعوب كما يتحكم في عقاراته المشبوهة وأمواله المتدفقة من داعميه. يبدو أنه لم يستفق بعد من أوهام الهيمنة، ما زال يحسب العالم رقعة شطرنج يحركه كما شاء، وأن غزة أرض معروضة في مزاد، وأن فلسطين سلعة قابلة للمساومة، لكنه نسي بأن عهد الإمبراطوريات قد سقط وأن الأرض التي رُويت بالدم لا تُشترى بالمال، وأن الشعوب التي تعمدت بالمقاومة لا تُهزم بقرارات المهووسين بالسلطة.
إنّ وهم ترامب بلغ حدّ الاعتقاد بأنّ مئة مليون دولار من ماريان أدلسون كفيلة بشراء غزة وضم الضفة الغربية وكأنها قطعة في لعبة “مونوبولي”، متناسيًا أن فلسطين لم تكن يومًا للبيع، وأن كل من سبقوه من الطغاة والمستعمرين رحلوا ولم يتركوا سوى بصمات العار في كتب التاريخ. هل نسي هذا المعتوه أن الاستعمار البريطاني، الذي كان يملك من القوة ما لا تملكه أميركا اليوم، انهار أمام ثورات الشعوب؟ هل غفل عن مصير الاحتلال الفرنسي في الجزائر، الذي رغم محاولاته لطمس الهوية، لفظه الجزائريون كما سيُلفظ هو ومن يدعمه من الصهاينة المتطرفين؟
ألا يتذكر ترامب مصير نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث انتصرت إرادة الشعب على قوى القمع والتمييز؟ أم تناسى كيف هزمت فيتنام، الدولة الصغيرة، أقوى جيوش العالم بإرادتها الصلبة وصمودها الأسطوري؟ إنّ التاريخ مليء بالدروس التي تُثبت أن الشعوب المتمسكة بحقوقها وهويتها لا تُهزم، مهما بلغت قوة المستعمرين.
إن ترامب، بجنون عظمته، يظن أن بإمكانه التحكم بمستقبل فلسطين بمجرد توقيع اتفاقيات مع مجرمي الحرب مثل نتنياهو، الذي استقبله بالأحضان بدلًا من الدفع به إلى محكمة جرائم الحرب الدولية. لكنه يجهل أن فلسطين ليست كازينو في لاس فيغاس، وأنه مهما حاول لتكرار سيناريوهات الاستعمار البائدة وتدويره بأساليب حديثة في فلسطين محكومة بالفشل، فالشعب الفلسطيني، بجذوره الضاربة في عمق التاريخ، لن يسمح بتمرير مخططات تهدف إلى اقتلاعه من أرضه. وكما فشلت كل محاولات الاستعمار السابقة، سيفشل ترامب ومن يدعمه من الصهاينة المتطرفين في كسر إرادة هذا الشعب البطل، يقف الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة هذه الإمبريالية الصهيونية، مدافعًا ليس فقط عن أرضه وحقوقه، بل عن قيم العدالة والحرية التي يسعى العالم لتحقيقها. إن صمود الفلسطينيين يمثل مقاومة حقيقية للهيمنة التي تحاول فرضها قوى الاستعمار الحديث، ويعكس إرادة لا تنكسر في وجه الظلم والقهر.
إن التاريخ يعيد نفسه، فكما تعرض الهنود الحمر للإبادة والتهجير على يد المستعمرين الأوروبيين، يظن الوقح ترامب أنه يستطيع تكرار ذلك مع الفلسطينيين باسم الإمبريالية الحديثة. لكن، كما فشلت تلك المحاولات في القضاء على روح الشعوب الأصلية، سيفشلون اليوم في كسر إرادة الفلسطينيين الذين يثبتون يومًا بعد يوم أنهم أصحاب الحق والأرض، وأنهم باقون ما بقي التاريخ.
فمنذ آلاف السنين، كانت فلسطين موطن الفلسطينيون الكنعانيون، الذين بنوا أريحا، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ. تعاقبت على هذه الأرض حضاراتٌ كثيرة، لكن الفلسطينيين ظلوا ثابتين، يتوارثون حب الأرض كأنها جزءٌ من دمهم. حاول الغزاة عبر القرون تغيير هذه الحقيقة، لكنهم رحلوا، وبقيت فلسطين لأهلها، الذين يحرسونها بالدم والتاريخ والإيمان.
ليس غريبًا أن يحاول الاحتلال طمس الهوية الفلسطينية، فهو يدرك أن الثقافة هي خط الدفاع الأول عن الأرض. لكن الفلسطينيين حافظوا على تراثهم رغم المحن، فالثوب المطرز والدبكة الشعبية والأغاني التراثية كلها شواهد على أن الهوية لا تُسرق، مهما حاول المحتل أن يفرض واقعًا جديدًا.
في قلب هذه المؤامرة ، تقف القدس، المدينة التي رآها ترامب مجرد “صفقة”، فيما يراها الفلسطينيون قلب وطنهم. شوارعها العتيقة، مآذنها، كنائسها، أسواقها التي تفوح منها رائحة التاريخ، حاول الغزاة طمس هويتها مرارًا، لكنها بقيت كما كانت، عصيّة على الاستسلام، شاهدة على صمود الفلسطينيين أمام أكبر مشاريع الاستعمار في العصر الحديث.
في تناقض صارخ، يصف ترامب الرهائن الإسرائيليين الثلاثة الذين أُطلق سراحهم بأنهم “نحيفون وهزيلون” ويشبهون الناجين من الهولوكوست، معبّرًا عن قلقه العميق تجاه حالتهم. في الوقت نفسه، يتجاهل تمامًا معاناة أكثر من 10,400 أسير فلسطيني من أطفال ونساء وشيوخ وشباب يقبعون في السجون الإسرائيلية، بينهم 5150 اعتُقلوا منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023.
هؤلاء الأسرى الفلسطينيون يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات الجسدية والنفسية. وفقًا لتقارير حقوقية، تشمل هذه الانتهاكات الضرب المبرح، الإذلال، التجويع، والاعتداءات الجنسية. وقد وثّقت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن السجون الإسرائيلية تعمل كـ”معسكرات تعذيب” للفلسطينيين، من بين هذه الحالات المروعة، حالة الطفل الفلسطيني الذي أُطلق سراحه مؤخرًا بيدين مكسورتين، نتيجة للتعذيب الوحشي الذي تعرض له. هذه الجرائم المستمرة تُظهر الازدواجية الصارخة في مواقف ترامب، الذي يتجاهل معاناة آلاف الفلسطينيين بينما يذرف دموع التماسيح على ثلاثة رهائن إسرائيليين.
علاوة على ذلك، يدّعي ترامب أن أهل غزة يعيشون في ظروف قاسية، ويقترح ترحيلهم كحل لهذه المعاناة، متناسيًا أن هذه الظروف هي نتيجة مباشرة للحصار الصهيوني والاحتلال الذي يبتلع يوميًا المزيد من الأراضي الفلسطينية. إن هذا الطرح ليس إلا محاولة لتبرير سياسات التطهير العرقي والتهجير القسري التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
إن هذه المواقف تكشف عن نفاق وإجرام ترامب، الذي يتجاهل حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، ويبرر جرائم الاحتلال تحت ستار الإمبريالية الحديثة. لكن، كما فشلت كل محاولات الاستعمار السابقة، سيفشل ترامب ومن يدعمه من الصهاينة المتطرفين في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي سيبقى صامدًا على أرضه، مدافعًا عن حقوقه وكرامته.
ترامب وأمثاله يتوهمون أن بإمكانهم إعادة هندسة العالم وفق مقاييس القوة والمال، لكنهم يتجاهلون حقيقة ثابتة: أن الشعوب لا تُهزم بالإملاءات، ولا تُكسر بالقرارات السياسية الظالمة. من ثورة البراق إلى الانتفاضات المتكررة، لم يتوقف الفلسطينيون عن النضال، لأنهم يدركون أن الحق يُنتزع ولا يُوهب، وأن التاريخ لا يرحم من يتخاذل عن أرضه.
ختاماً اقول لترامب وأمثاله من الصهاينه :
إننا هنا في فلسطين باقون منذ آلاف السنين، كشجر الزيتون والبحر والجبال، لن تهزنا كل الرياح العابرة. فكما قال الشاعر الفلسطيني توفيق زياد:
“هنا باقون كأننا عشرون مستحيلاً في اللد، والرملة، والجليل”
وكما قال الشاعر محمود درويش:
“سجّل، أنا عربي ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعدَ صيفْ فهلْ تغضبْ؟”
نحن الجذور الراسخة في هذه الأرض، نمتد عميقًا في تاريخها، ونستمد قوتنا من صمودنا وإيماننا بعدالة قضيتنا. لن تزعزعنا محاولات الطمس أو الاقتلاع، ففلسطين في قلوبنا، ونحن فيها باقون، نرسم مستقبلنا بأيدينا، ونحمي تراثنا وهويتنا بأرواحنا.
وكما قال الشاعر سميح القاسم، أقولها لترامب والصهاينة:
“تقدموا تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم”
سنبقى ثابتون كالجدار، نواجه كل التحديات بعزيمة لا تلين، ونؤمن بأن الحق معنا، وأن النصر حليف من يصبر ويصمد.
فلسطين هي روح تسري في عروقنا، وقضية نحملها في قلوبنا، وسنظل ندافع عنها حتى آخر رمق.
يجب أن يدرك العالم أن دعم الظلم والاحتلال لا يجلب سوى المزيد من المعاناة وعدم الاستقرار. إن الوقوف مع الحق والعدالة هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم، والشعب الفلسطيني، بصموده وثباته، يقدم للعالم درسًا في الكرامة والإباء.
الدكتورة أروى محمد الشاعر، هي ابنة العميد محمد الشاعر وهو من الضباط المؤسسين لجيش التحرير الفلسطيني وأول سفير فلسطيني في الاتحاد السوفييتي، بالإضافة فهو من اهم المفكرين والكتاب الفلسطينيين وأهم كتبه كتاب “الحرب الفدائية”، ووالدتها الأديبة والكاتبة وفيقة حمدي الشاعر مؤلفة كتاب “نضال المرأة العربية على الصعيد الدولي”، واللذان ولدا في مدينة يافا. وهي طبيبة الأمراض القلبية المتميزة، تمارس اختصاصها الطبي في الكويت منذ ثلاثة عقود تقريياً. على الرغم من نجاحها في مجال الطب، فإن اهتمامها بالثقافة والتراث الفلسطيني كان محركاً رئيسياً وحافزاً في حياتها. فقد خصصت جزءاً كبيراً من منزلها لتحويله إلى متحف فولكلور فلسطيني، وذلك انطلاقاً من ايمانها العميق بوجوب الحفاظ على التراث الفلسطيني وتكريسه للأجيال القادمة.
يُعد المتحف مثالاً رائعاً على إصرار الشعب الفلسطيني على الصمود والمقاومة والتمسك بالهوية رغم كافة التحديات. يتضمن المتحف مجموعة من القطع التراثية الفلسطينية التقليدية، مثل الأزياء الشعبية المطرزة بالنقوش والزخارف الفلسطينية، الأدوات المنزلية القديمة، الحرف اليدوية، والمجسمات التي تعكس ملامح الحياة الفلسطينية في مختلف العصور ومن كافة محافظات فلسطين. كما أن هذه المجموعة تروي قصصاً عن النضال الفلسطيني من خلال الفلكلور الشعبي الذي يمثل قوة الصمود أمام كافة التحديات.
إلى جانب كون المتحف مكاناً للعرض، يُعتبر أيضاً مساحة تعليمية تعزز من قيمة التراث الفلسطيني وتعمق الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة، وتُظهر للعالم أجمع تاريخ الشعب الفلسطيني العريق والمستمر في مسيرة النضال من أجل نيل حقوقه. إن مبادرة الدكتورة أروى تساهم في الحفاظ على ذاكرة فلسطين الحية، وهي نقطة محورية لنقل الرسالة الفلسطينية إلى العديد من الزوار في الكويت وخارجها.
كذلك قد خصصت الدكتورة أروى منزلها في القدس لنشاط جمعية فتيات مقدسيات والمختصة ايضا بالحفاظ على التراث والعادات والتقاليد الفلسطينية وبالتأكيد سوف يتم تخصيص مادة بخصوص نشاط الجمعية.