مقالات

رامي الشاعر يكتب : بعد الآفاق المبشرة بالانفراج الدولي ما المطلوب من السوريين

أصدر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بياناً أدان فيه بشدة العنف الذي وقع غرب سوريا بما تضمنه ذلك من قتل جماعي ضد المدنيين لا سيما من الطائفة العلوية.
وأعرب المجلس عن قلقه البالغ من مآلات العنف وما يسببه من زيادة التوترات بين الطوائف في سوريا، ودعا إلى وقف فوري لجميع أعمال العنف والتحريض وحث على ضمان حماية جميع المدنيين والبنية التحتية الإنسانية.
كما أكد المجلس على ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في جميع الظروف، ودعا جميع الأطراف والدول إلى ضمان وصول إنساني كامل وآمن وغير مقيد للمتضررين، وضمان معاملة إنسانية لجميع الأشخاص، بما في ذلك الذين استسلموا أو وضعوا أسلحتهم.
وأشار المجلس كذلك إلى قراره رقم 2254 لعام 2015، وبيانه الصحفي الصادر في 17 ديسمبر 2024، مؤكداً التزامه الراسخ بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، ودعا جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ والامتناع عن أي أعمال أو تدخلات من شأنها زعزعة الاستقرار في سوريا.
وشدد المجلس على أهمية مكافحة الإرهاب في سوريا، ودعا إلى اتخاذ تدابير حاسمة للقضاء على تهديد الإرهابيين الأجانب، مشيرا إلى التزامات سوريا في هذا المجال وفقا للقرارات ذات الصلة لمجلس الأمن.
بالتزامن وقع رئيس الجمهورية للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، يوم أول أمس الخميس 13 مارس، ما سمي بـ “الإعلان الدستوري”، المكوّن من 53 مادة، والذي أنتجته لجنة عينها السيد الشرع بنفسه، وبذات الكيفية التي عُينت بها الحكومة المؤقتة واللجنة التحضيرية لمؤتمر “الحوار الوطني”، دون أن يكون هناك أي “حوار” ولا أي “وطني”، فلا تمثيل واسع وحقيقي لجميع أطياف المجتمع السوري على المستوى السياسي والاجتماعي العام في البلاد.
كما أن تفاصيل هذا “الإعلان الدستوري”، ومن وجهة نظري المتواضعة، لا ترتقي لمتطلبات وخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد والمنطقة، والتحديات والتهديدات التي تواجه سوريا. إلا أن الإشكاليات الأساسية التي نراها عوارا في هذا الإعلان هي أمور ثلاث تم ذكرها في بيان حزب الإرادة الشعبية السوري والذي اتفق معه كاملاً.
أولاً: تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وترك البلاد كل هذه الفترة دون دستور دائم ينتج عن مؤتمر وطني عام حقيقي وواسع التمثيل، وهو ما يعزز من المخاطر والتهديدات التي تواجه الوحدة الوطنية في البلاد، كما يرفع من إغراءات التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، ويعرقل عملية رفع العقوبات. في الوقت الذي قد تستغرق فيه عملية صياغة الدستور على أساس مؤتمر وطني شامل لا أكثر من عام واحد على أكبر تقدير، بحيث تكلل نضالات الشعب السوري بإنفاذ حقه في تقرير مصيره بنفسه قولا وفعلا عبر انتخابات شفافة ونزيهة على كل المستويات.
ثانياً: غاب عن هذا الإعلان الدستوري بأكمله، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، الفكرة الأهم والجوهر الحقيقي للعملية الديمقراطية برمتها، وأساس الدولة الحديثة الديمقراطية وهي حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب، الثمرة الحقيقية لنضالات السوريين على مر عقود طويلة وبأثمان باهظة كانت ذروتها الثورة السورية المجيدة.
ثالثاً: وعلى الرغم من أهمية وضرورة مركزية السلطة في المرحلة الخطيرة كالتي نعيشها، إلا أن تلك المركزية تصبح هشة وضعيفة حينما لا تقوم على التوافق العام بين السوريين بكافة أطيافهم، فإذا ما قامت على الاستئثار والاستحواذ وحيازة السلطة التنفيذية، وتفضيل أهل الولاء عن أهل الكفاءة والخبرة، بما في ذلك مقام الرئاسة الذي يتمتع بسلطات تسيطر على السلطات الثلاث بشكل كامل، فإن ذلك لا يصبح سوى نسخة بالكربون من الدستور السابق المعيب، الذي يكرس للهيمنة والاستبداد والسيطرة على جميع السلطات.
بالمحصلة، فإن “الإعلان الدستوري” الذي تم الإعلان عنه، يبدو لنا غير مكتمل، وأقل بكثير مما نرى أن سوريا تستحقه ليكون دستورا صالحا لانتقال سلس يحمي وحدة البلاد وأهلها، ويغلق أبواب الجحيم الذي اكتوى به الشعب السوري طوال العقد ونيف الماضيين، ويغلق باب التدخلات الخارجية بشتى أنواعها واتجاهاتها.
إن المهمة الملقاة على عاتق السوريين اليوم، لا سيما في ظل انفراج دولي واضح، من خلال المراسلات بين روسيا والولايات المتحدة، ورغبة من المجتمع الدولي في مد يد العون للشعب السوري، هي العمل السريع على حشد مؤتمر وطني عام حقيقي يكون أداة للشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، تحصينا لوحدته الوطنية، مؤتمر يجتمع في حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، تكون الأداة التنفيذية العادلة من أجل توحيد البلاد، والوصول بها إلى بر الأمان.
دعواتنا القلبية لسوريا والشعب السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى