انه وقت التحرك يا طلائع البعث وشحذ الهمم
بقلم : د. ابو طارق العزيز
“قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” صدق الله العظيم.
عندما ترتكب جريمة يبحث المحققون مع المجرم عن الدافع ثم يعيدون تركيب مسرح الجريمة، تمهيدا لإثبات التهمة على المتهم ومن ثم تنفيذ العقاب المناسب عليه.
وبعد مطالعتنا للحلقة الاولى والثانية من لقاء الدكتور خضير المرشدي على قناة بغداد الرشيد توضح لنا مسرح الجريمة التي ارتكبت بحق الدكتور خضير ورفاقه لإبعادهم عن قيادة الحزب ومن ثم تمهيدهم لاستهداف شخص الامين العام عزة ابراهيم الدوري رحمه الله والحزب ككل. وبعد ان حدد الدكتور خضير الأشخاص المشاركين في المؤامرة، وهم علي الريح وحسن بيان وعبد الصمد الغريري وتحت اشراف ودعم الدكتورة هدى عماش وناجي الحديثي. وفّر الدكتور خضير الوثائق التي تدعم موقفه من رسالة التوبيخ التي وجهها الأمين العام عزة الدوري إلى الدكتورة هدى بعد اكتشافه خيوط المؤامرة ومن ثم خطاب الدكتور المرشدي للأمين العام الدوري ينبه الرفيق الامين العام لخطر هذه المؤامرة على شخصه والحزب عامة.
ولقد عايشتُ هذه الاحداث التي بدأت عام 2017 شخصيا حين اتصل بي عدد من الرفاق من تنظيمات الخارج المرحوم محمد مروج الصقور (ابو بشار) والمرحوم صبيح حمادي (ابو سنان) ونبهوني لعملية الاجتثاث الداخلي التي كان يقوم بها حسن بيان في وقتها وتضمنت قرارات التحقيق والتجميد والفصل التعسفي. وكنا وقتها عدنا من مؤتمر المغتربين العراقيين في ملقا (2016) وأشرت لهم في حينها لضرورة ان نرفع هذه المظالم على الرفيق خضير المرشدي ونذهب اليه في اسبانيا لينظر فيها. لم نكن نعرف في حينها أن الرفيق خضير نفسه كانت تستهدفه عملية الاجتثاث هذه. ومرت الايام والتقينا في المؤتمر الشعبي العربي (2017) وأثير الموضوع في حينها للمرة الثانية من قبل رفاق فلسطينيين في المؤتمر من المانيا وكانوا بصدد الذهاب للقاء ركّاد سالم ولم يأخذوني معهم وقال لي احد الرفاق حينها أن ركاد يبدو منفصل عن الواقع. وحينها التقيت ركاد سالم لأول مرة وكان حديثي له عن ضرورة تفعيل الحزب في فلسطين وفي المخيمات وكلمته عن نية الرفاق من قبل تملك زمام الحزب نيابة عنه وعن ابو اسماعيل بتحرك للرفيق ابو يعرب في غزة، لما وصلت له امور جبهة التحرير العربية من تردي داخل فلسطين وكان لقائي هذا معه الاول والاخير، لأني لم أرى منه اي نية للعمل الحقيقي. وتبعه لقاء مع مسؤول له في لبنان في مخيمات بيروت ووجدت نفس الانشغال بالمصاريف والتمويل الذي كانوا يتلقوه من منظمة التحرير ومن شخص محمود عباس (ابو مازن) نفسه وليس هناك اي نية للعمل الحقيقي. وعندما التقينا في المؤتمر الشعبي في تونس كان واضح ان هنالك خللين اثنين. اولا محاولة الوفد اللبناني تلطيف وجه حزب الله في المؤتمر والثانية محاولة وفد السلطة الفلسطينية تمرير برنامج حل الدولتين وتلميع صورة ابو مازن في المؤتمر. واتذكر بانني صرخت في الجلسة الاخيرة بصوت عالٍ واضطر الرفيق ابو سنان أن يأتي الى مقعدي ويهدئني عندما أصرّيت على ان البيان الختامي يوثق تأكيد المؤتمر على هوية فلسطين العربية. واذكر أن الرفيق ابو سنان قال لي بانفعال، هذا المؤتمر يجب ان ينجح. ثم كان انتخاب الاستاذ أحمد النجداوي في حينها وكان قرار للبعثين وقبلنا به، واذكر انني مررت له ورقة في الجلسة الختامية وهو يجلس على المنصة طلبت منه تأكيد عروبة فلسطين واذكر أن كان في وجهه نظرة امتعاض. وكان انتخاب الاستاذ احمد للأسف غير موفق فيما تبين لاحقا من عدم تحرك وفاعلية المؤتمر الشعبي.
وهكذا مرت الايام وكانت موجة الفصل والتحقيق جارية مع الرفاق حتى أنني أذكر المرة الاولى والاخيرة التي رأيت فيها علي الريح واحمد الشوتري، كانت في المؤتمر الشعبي في تونس واذكر أن السيد فيصل عرنكي ازاح السيد علي الريح من امامي في اللحظة الوحيدة التي كانت متاحة لي للحديث معه ولم التقيه من بعدها، ولكني اذكر حديث سريع مع احمد الشوتري. ولا اعلم لليوم لماذا تعمد الدكتور فيصل عرنكي ابعاده عني عن قصد لأني كنت قد تصادمت انا والدكتور فيصل على موقفنا من فلسطين، عروبتها ونهج الكفاح المسلح فيها وعن موقفي الرافض للسلطة الفلسطينية، علما باننا انا والدكتور فيصل نأتي من نفس الساحة في امريكا. وكنا التقينا في مؤتمر المغتربين العراقيين في اوفيدو (أبريل، 2017) وكنت وديّاً مع الدكتور فيصل الى ان علمت لاحقا انضمامه للسلطة الفلسطينية ومن يومها لا يوجد اتصال بيننا. بعد هذا كان مؤتمر المغتربين العراقيين في اثينا (2019) والتقيت الرفاق من الجزائر وعرفت منهم عن نرجسية احمد الشوتري مع ترشحه لرئاسة الجزائر وغيره من تصرفات نفرت الكثير من رفاقه، ونيتهم تغيير امانة سر القيادة في الجزائر وهو ما تحقق لاحقا في استلام مهام قيادة القطر للرفيق بلقاسم بلعباس. كذلك كان الحال في تونس ووقتها جرت محاولات لتحييد الرفيق خليفة الفتايتي وكنت داعما له ودار بيننا لقاء عبر الهاتف بواسطة المرحوم ابو بشار.
وفي اثينا التقيت سريعا مع الاستاذ صلاح المختار وتكلمت معه عن تحفظاتي عن القيادة القومية ولم أتلقى رداً من الاستاذ ابو اوس في وقتها ولم اكن اعرف انه بصدد التحرك لمواجهة القيادة القومية ولا عن تفاصيل ما كان يحدث معه.
وبعد اطلاعكم على الاحداث وتفاصيلها التي كنت شاهدا عليها شخصيا لأوكد لكم وهذه اول مرة اكتب عنها بان عملية اجتثاث الرفاق المخلصين من الحزب كانت حقيقية وكانت تسير بتوجيه من حسن بيان كما عرفنا الان. كما انني اذكر لقاء غير ودي بيني وبين المدعو حسن هندر في تونس في المؤتمر الشعبي علمت لاحقا بان حسن هندر موفد من قبل حسن بيان لألمانيا لاستهداف الرفاق هناك. والجدير بالذكر هنا بان الرفاق في المانيا من اهم الرفاق الجذرين الاصيلين للبعث واكثرهم نشاطا. واذكر منهم الرفيق محمد مروج الصقور والرفيق صبيح حمادي والرفيق قحطان جاسم والمرحوم عزيز القزاز وكلهم في ذمة الله وعملوا لسنوات طويلة للبعث وللعراق.
والآن بعد رسم مسرح الجريمة وتحديد المجرمين يبقى لدينا امرين. الاول الدافع والثاني العقاب المناسب. بالنسبة للدافع فهو واحد من اثنين. الاول بان جهات مخابراتية عربية ودولية تقف وراء هؤلاء الأشخاص وتحركهم، هل يا ترى الاستاذة هدى تُوجّه من قبل الامريكان بعد الافراج عنها ومن خلال الإماراتيين؟ هل الاستاذ ناجي صبري يوجّه من قبل القطريين؟ هل حسن بيان يوجه من قبل النظام السوري بعد الافراج عنه من سوريا؟ اذكر هنا انني عندما زرت الاستاذ حسن غريب في مكتبه في لبنان انه ازعجني بملاحظة ابداها عن النظام السوري. وكأنها تدعو لفتح الحوار مع النظام السوري او انني هكذا فسرتها. اليوم وفي ظل ما عرفنا من احداث ووقائع بان هنالك تغلغل في حزب طليعة لبنان من قبل انصار للنظام السوري او انهم على علاقة به. يعني بالملخص بان الدافع هو عملية مخابراتية منظمة تسعى لإضعاف البعث من الداخل في سليل انهائه. والدافع الثاني هو شخصي من قبل الدكتورة هدى والاستاذ ناجي لتملك قيادة الحزب بالتنسيق مع علي الريح وحسن بيان واحمد الشوتري والمرحوم عبد الصمد الغريري.
واخيرا نبدي الملاحظة المهمة التالية، نحن نعرف من معلومات سابقة بان النظام السوري كان يدفع بتزعم حزب البعث في العراق من قبل محمد يونس الاحمد بدلا من الرفيق عزة ابراهيم الدوري وغالبا برضى امريكي. فهل يا ترى كان الامريكان والأوربيين يدفعون بعبد الصمد الغريري ليتبوأ قيادة حزب البعث بديلا للرفيق عزة الدوري؟ وهل كانوا على اتصال معه؟
المحصلة النهائية هي اضعاف حزب البعث من خلال اجتثاثه خارجيا وداخليا في العراق يبقى من اهم اولويات امريكا والانظمة الرجعية العربية وحتى الصفوية..
ومن هنا ندرك اهمية وجود الرفيق عزة الدوري وما أشار له في رسالته الى مضر بانه قام بأعجوبة الأعجوبات بالمحافظة على الحزب وتفعيله من تحت الحطام والدمار والركام بعد غزو العراق 2003. وفي مواجهة الاحتلال الامريكي والصفوي حتى اندثار القوات الامريكية في 2011 وحتى يوم وفاته 2020. اي ان اعداء البعث كانوا ولا زالوا يسعون لدفنه ولم يستطيعوا الى الآن. وهنا نصل الى دورنا اليوم في دعم الدكتور خضير ورفاقه والحفاظ على حزب البعث في عام 2024.
إذن موضوع الخطوة التالية هو موضوع العقاب والاجراءات المطلوبة. اولا المطلوب اليوم دعم القيادة القطرية المنتخبة بالعراق بقيادة الرفيق ابو العباس وانتخاب قيادة قومية جديدة مع دعم القيادات القطرية المنتفضة للبعث في الاقطار العربية ولاسيما الشابة منها وحيث هنالك وجود ميداني للبعث. مثل فلسطين، لبنان، الاردن، سوريا، السودان، الجزائر، تونس، موريتانيا وغيرها، وبان يكون هنالك لجنة تنسيقية فيما بينها نسعى لإطلاقها. هذا في سبيل انهاء سلطة القيادة القومية المنتهية الصلاحية وعدم الامتثال لها ولا لقرارتها، اي تحييدها.
تذكروا يا رفاق البعث بأنه منذ عام 2017 الى اليوم هنالك خطة لاجتثاث البعث داخليا. والمتابع للأحداث التي ذكرناها يستعجب لماذا لم يتم مواجهة هؤلاء الانتهازين بحزم اكثر ولمدة السبع سنوات الماضية؟ صحيح ان الحزب يواجه اعداء كثر من الخارج، ولكن عملية تطهير الحزب من الداخل من الاولويات كما رأيتم، فالسوس لا يمكن ان يترك لينخر الشجرة من الداخل لأنه سينهيها. التركيز على فئة قليلة مخلصة مبدئية تحقق وحدة الحزب وتحافظ على مبادئه ومساره الثوري والنضالي من اهم الاولويات. لا حاجة للحزب بهذه الشخصيات الانتهازية وجهودهم، اما المشبوهة او الشخصية، لأنها لن تستطيع التعايش مع القيادات المبدئية وذات الكفاءة وستحاول الانقضاض عليها وابعادها كما رأيتم. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. هل تذكرون ما فعل الرئيس صدام حسين في اجتثاث العملاء والانتهازين من حزب البعث في قاعة الخلد في اواخر السبعينات؟ هل هاودهم او تعايش معهم؟ لقد فصلهم وأرسلهم لفرق الإعدام. لا تعايش مع الانتهازية داخل الحزب الثوري. واقول الى الرفاق المخلصين من كوادر حزب البعث العربي الاشتراكي في كل مكان، تذكروا مع ارتفاع حرارة الصيف هذه انه لا مكان للراحة لا للفقراء ولا للمجاهدين. انه وقت العمل وشحذ الهمم، لتطهير الحزب وتمكينه والمحافظة على مساره. انها معركة تاريخية ومصيرية وطوبى لمن يشارك فيها، نحن نتحرك لسنا ساكتين، وسنسعى للقائكم عن قريب. كاتب ومحلل سياسي عراقي